فصل: ذِكْرُ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] الْآيَةَ، وَثَابِتٌ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ، فَقَدْ نَدَبَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّاجِدَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ، وَلَمْ يَخُصَّ دُعَاءً دُونَ دُعَاءٍ، فَلِلْمَرْءِ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ فِي صَلَاتِهِ بِمَا أَحَبَّ، مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَالَّةً عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ.
1578- حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ قَالُوا: أنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: «قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» وَقَدْ ذَكَرْنَا سَائِرَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى إِبَاحَةِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ أَرْبَعٍ، ثُمَّ لَيَدْعُو لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ». وَقَدْ ذَكَرْتُ الْحَدِيثَ فِي أَبْوَابِ التَّشَهُّدِ، وَفِي قَوْلِهِ: «ثُمَّ لَيَدْعُو مَا بَدَا لَهُ» إِبَاحَةُ الدُّعَاءِ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ، وَمِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا يُخَاطِبُ بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، غَيْرُ جَائِزٍ حَظْرُ شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَقَدْ رَوِينَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَدْعُو السَّبْعِينَ أَخًا مِنْ إِخْوَانِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ، أُسَمِّيَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِلزُّبَيْرِ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَسْمَاءَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: ادْعُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَاجَةٍ لَكَ، وَدَعَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي قُنُوتِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَوْمٍ سَمَّاهُمْ، وَدَعَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَلَى قَطَرِيٍّ.

.ذِكْرُ مَا فِي الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَدَبَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ إِلَى الدُّعَاءِ فِي كِتَابِهِ، وَثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا فِي صَلَاتِهِ، وَعَلَّمَهُمُ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَنَتَ فَدَعَا لِقَوْمٍ وَعَلَى قَوْمٍ بِالدُّعَاءِ، فَالدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ، بِمَا أَحَبَّ الْمَرْءُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَيَدْعُو لِوَالِدَيْهِ، وَلِمَنْ أَحَبَّ مِنْ إِخْوَانِهِ، يُسَمِّيهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.
1581- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا رَفَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ: «اللهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، اللهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ».
1582- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا أَبِي، وَالْحَسَنُ، وَعَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، قَالُوا: أنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ: «اللهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا، وَلِحْيَانَ، وَذِكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا» ثُمَّ وَقَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَسْتُ أَنَا قُلْتُ، وَلَكِنَّ اللهَ قَالَهُ.
1579- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنِّي لَأَدْعُو السَّبْعِينَ أَخًا مِنْ إِخْوَانِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ، أُسَمِّيهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ.
1580- حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْغَدَاةَ، فَقَنَتَ، فَقَالَ فِي قُنُوتِهِ: اللهُمَّ عَلَيْكَ بِفُلَانٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَشْيَاعِهِ أَبِي الْأَعْوَرِ السُّلَمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ فُلَانٍ وَأَشْيَاعِهِ. وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بَأْسًا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَدْ رَوِينَا عَنْ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ طَاوُسٌ: ادْعُوا فِي الْفَرِيضَةِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ: ادْعُوا فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ، وَبِمَا أَشْبَهَ الدُّعَاءَ بِمَا لَا يُشْبِهُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَسَنِ: إِذَا دَعَا فِي صَلَاتِهِ فَسَأَلَهُ الرِّزْقَ، وَالْعَافِيَةَ لَمْ يَقْطَعِ الصَّلَاةَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ دُعَاءٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ يُشْبِهُ الْقُرْآنَ، فَإِنْ قَالَ: اللهُمَّ اكْسُنِي ثَوْبًا، اللهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ، قَالَ: هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَقَدْ رَوِينَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَوْلًا ثَالِثًا: كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالدُّعَاءِ فِي التَّطَوُّعِ، وَيَكْرَهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ.

.ذِكْرُ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَنْفُخُ فِي صَلَاتِهِ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ، وَلَمْ تُوجِبْ عَلَى مَنْ نَفَخَ إِعَادَةً رَوِينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَسْجُدَ عَلَى جَمْرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَنْفُخَ ثُمَّ أَسْجُدُ وَرَوِينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَمْسَحْ جَبْهَتَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَنْفُخْ حَتَّى تَفْرَغَ.
1583- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَأَنْ أَسْجُدَ عَلَى جَمْرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْفُخَ ثُمَّ أَسْجُدُ.
1584- وَحَدَّثنا قَطَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَمْسَحْ جَبْهَتَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَنْفُخْ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِكَ. وَمِمَّنْ كَرِهَ النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُوجِبْ إِعَادَةً النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِنَّمَا أَكْرَهُ النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَ مَنْ إِلَى جَانِبِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
1585- حَدَّثنا يَحْيَى قَالَ: ثنا الْحَجَبِيُّ قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ.
1586- حَدَّثنا مُوسَى قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ.
1587- حَدَّثنا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّفْخَ إِنْ كَانَ نَفْخًا يُسْمَعُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ، وَهُوَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَعْقُوبُ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْفِيفَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو.
1588- حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: ثنا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ، وَقُمْنَا. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، حَتَّى لَمَّا كَانَ آخِرُ سَجْدَةٍ جَعَلَ يَنْفُخُ فِي الْأَرْضِ وَيَبْكِي وَيَقُولُ: اللهُمَّ لَمْ تَعِدْنِي بِهَذَا وَأَنَا فِيهِمْ، وَلَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ.
1589- حَدَّثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا رَأَتْ نَسِيبًا لَهَا يَنْفُخُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِغُلَامٍ لَنَا، يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ: «يَا رَبَاحُ، تَرِّبْ وَجْهَكَ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ قَالَ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ مَنْ رَخَّصَ فِي النَّفْخِ عِنْدَ الْحَادِثَةِ تَحْدُثُ فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَنْ قَالَ: لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ نَفَخَ فِي سُجُودِهِ، وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ أَنَّ النَّفْخَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا، وَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ صَلَاةِ مَنْ نَفَخَ فِي سُجُودِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ نَفَخَ فِي سُجُودِهِ، وَالْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ الْأَوَائِلِ فِي كَرَاهِيَةِ النَّفْخِ إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ مِنْهُمْ لِلسُّجُودِ عَلَى التُّرَابِ، كَالَّذِي رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي نَفَخَ: «تَرِّبْ وَجْهَكَ»، وَلَا يَثْبُتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّفْخَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ، وَلَيْسَ لِتَفَرُّقِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ نَفْخٍ يُسْمَعُ، وَبَيْنَ نَفْخٍ لَا يُسْمَعُ مَعْنًى، وَذَلِكَ أَنَّ النَّفْخَ إِنْ كَانَ كَلَامًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا فَلَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ.

.ذِكْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّلَاةِ:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا الْإِعَادَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا: فَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: إِذَا شَرِبَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ شَرِبَ عَامِدًا أَعَادَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْآكِلِ وَالشَّارِبِ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا: يَسْتَأْنِفُ، وَيُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مَا قَالَ عَطَاءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ وَالْمُصَلِّيَ مَمْنُوعَانِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَا دَامَا فِي صَلَاتِهِمَا وَصِيَامِهِمَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ عَلَيْهِمَا إِنْ عَمِدَا، فَأَكَلَا أَوْ شَرِبَا الْقَضَاءَ، وَثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ نَاسِيًا فَلْيَمْضِ فِي صَوْمِهِ، فَإِنَّ اللهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ» فَإِذَا دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَى الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا فِي صَوْمِهِ، وَكَانَ الصَّائِمُ وَالْمُصَلِّي فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا، كَانَ حُكْمُ الْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَدَلَّ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ عَلَى أَنْ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ نَاسِيًا فِي مَعْنَى الْكَلَامِ، إِذْ عَلَى الْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَالْمُتَكَلِّمِ عَامِدًا الْإِعَادَةُ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الشُّرْبِ فِي التَّطَوُّعِ: فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا شَرِبَا فِي الصَّلَاةِ التَّطَوُّعِ.
1590- حَدَّثُونَا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَشْرَبُ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَرُوِيَ عَنْ طَاؤُسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ فَعَلَهُ فِي التَّطَوُّعِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَتَرْكُهُ أَسْلَمُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا شَرِبَ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ التَّطَوُّعِ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَكُلُّ مَنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ شَرِبَ فِي التَّطَوُّعِ كَانَ شُرْبُهُ سَاهِيًا إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالَّذِي رُوِيَ عَنْ طَاؤُسٍ، وَمَا ذَكَرَهُ لَيْثٌ.

.ذِكْرُ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي:

ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ. وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَالْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ سَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَرُدُّ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ.
1591- حَدَّثنا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: دَخَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَصَلَّى فِيهِ، وَدَخَلَ مَعَهُ صُهَيْبٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُ صُهَيْبًا كَيْفَ كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يُشِيرُ بِيَدِهِ. فَحَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ يَدُلَّانِ عَلَى إِبَاحَةِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي، إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَدَلَّ حَدِيثُ صُهَيْبٍ عَلَى أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ رَدَّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِإِشَارَةٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي، فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: لَوْ دَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ يُصَلُّونَ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي، وَمِمَّنْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَكْرَهُ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي، وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْجِبُهُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الْمُصَلِّي، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ دَخَلَ مَسْجِدَهُ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُصَلٍّ فَسَلَّمَ.
1592- حَدَّثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَوْ دَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ يُصَلُّونَ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ.
1593- حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ حَتَّى إِذَا دَخَلَا الْمَسْجِدَ مِنْ قِبَلِ دَارِ مَرْوَانَ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَعَدَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي السَّلَامَ، وَرَجَعَ الدَّارَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَتَكَلَّمُ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكَ أَحَدٌ وَأَنْتَ تُصَلِّي فَأَشِرْ بِيَدِكَ وَلَا تَتَكَلَّمُ.